
نامت الشمس خلف تلك البنايات المقابلة والبعيدة، وبدأ البدر يلوح لرهف، استقبلته
بقبلة وتحية حارة، وابتسامة شهرية، قدرية، تركت بصمات من النشوة علي أحاسيسها الفوضوية. ترتب المكتب، تستنفر بعد الأتربة، فتثور خارج المعقل الزجاجي. تلضم أنغام سعاد الماسية في نسيج روحها، تتخدر لوهلة، ثم تفيق علي عنوان جديد،
الأهداف التربوية .. تقرأ لبعض الوقت، تضع خطوط حمراء أسفل بعض النقاط التي تظنها هامة، وأخري فقط ربما لأنها تستفزها.
تمر ساعات من الزمن، تدق الثانية بعض منتصف الليل، تسمع عبر الفضاء تردد لموسيقي أغنية كانت تحبها، تغلق السي دي بلاير، تنصت أكثر، تعلو موجات اللحن وتتدفق اليها عبر نسيم الليل،
ماقدرش أنساك
ماقدرش أعيش ولا يوم
من غير حبك وهواك
ماأقدرش أنساك نعم، هي أغنية تعرفها! بل تحبها، تترفع عن مكتبها، تحرر وجهها، تطلق نظرة حاملة لكثير من الألم.. والأمل الي خارج زجاج المعقل، تري السيارة البيضاء تجول من بعيد، تدرك أنها هي مصدر الصوت، تلتف السيارة مرة أخري وتكرر رحلتها في نفس الصف من الشارع .. تبدأ الأغنية من جديد، لا تتوقف السيارة عن التجوال.
تري! من هذا؟! ومن يستعذب؟ رهف؟ وهل كانت لرهف أي قصة حب؟ هي لا تذكر أن كان هناك من ذاق فقدها يوما ما؟ مر ببالها كثير ممن أطلقو لها نظرات شوق في لحظات كانت، لا زالت تذكرهم جميعا، من منهم قد لا يزال يذكرها! بل يأتي اليها في الثانية بعد منتصف الليل بتلك الفعلة الرومانسية والمحاكية لأحلامها الصامتة، والصامدة أحيانا!!
دانت حياتي وعمري فداك
ياللي عرفت الدنيا معاك
عمري هاعيشه لمين غير ليك
يا حبيبي يا أحلي ملاكها هي السيارة تتوقف، مقابلة تماما لشرفتها، بعيدة جدا، لكنها تراها، وتري شابا يخرج منها، ناظرا لأعلي، رافعا يديه، يسأل .. يستجدي .. وكانت هي هناك، ترقبه من شرفتها، في احدي واجهات تلك البنايات المقابلة والبعيدة.