Monday, September 29, 2008

روب كستور

*
تعجبت كيف بين يوم وليلة نسيت كل شيء كان يربطني بهذا الهمام، يبدو أنني أدمنت الحواديت، وقدر علي في متتالية زمنية أن أكون إلهة لبضع روايات عبثية تنتهي كما لا يهوي أبطالها غير الرائعون بالمرة.

صباح يشبه صباحات ولدت ومضت، يحمل خلال ضوئه ظلال أمل في غد متمرد وضاحك بعض الشيء، غاضب كثيرا، وممتليء حقا بالدراما غير التقليدية والمنفردة دائما، دراما من نوع دوق شكسبير الغبي، ممزوجة بأغاريد هذا الماركيز الذي كنت يوما معشوقته حتي قتلني عنوة بين سطور إحدي رواياته السوداء، ولفحات جبران العابد، شيئا من هذا وذاك تفتح اليوم بداخلي لأبدأ به يوما منحرف جدا ممتليء بالألوان.

**
خلعت كل ملابسي في خفة راقصة منسوبة للغجر، تجولت داخل الشقة مستترة بروبي الكستور الذي انتقل إلي مما تبقي من تركة جدتي التي لم أعرفها، لازال هذا النسيج السحري للكستور يشعرني بدفء غير اعتيادي، وما أن يعانق جسدي، حتي تغمرني موجات حنين وسكرات
عشق لم أذقه بعد.

أحب شعري عندما يتموج هكذا، يشبه روحي، تلك التي خلقت لتثور، تتمايل حرة في تموجات من صنعها، تعلو في أوقات وتهدأ في أخري، إلا أنها لا تتوقف عن دورات المد والجذر في ليل أو نهار، هكذا أنا، ملكة البحر وسيدة ملحه الطاهر، أحتضن حياة وخلود في ان، وأخبيء لاليء تخصني وحدي، لا أمنحها إلا لمن عشق البحر ولم يخشاه.

أرتدي الروب الكستور، ذو التطريز الأحمر عند الصدر، أشد رباطه فوق أصغر منطقة لمحيط خصري، بداخله .. أشعر دائما أنني فاتن حمامة في "سيدة القصر"- قبل نزوحها للقصر بالطبع- أجلس فوق طاولة من الخشب الزان العتيق، أخيط شالا بنفسجيا أعده خصيصا لرفيقة الحكايات، سأهديه لها فور انتهائي من حياكته، تلك الرائعة، أتجنب ارتداء البنفسجي لشعوري الدائم أنه لونها وحدها دون غيرها من المليكات!
***
اتوجه نحو الباب، أفتح لجارتنا الصغيرة ذات الجسد الممتليء والروح الوردية ..
- صباحك حليب يا بنت!
- طب ممكن بقي عودين بخور؟

هكذا عادتنا صباح كل جمعة، أمنحها حفنة من البخور الهندي، أقبل جبينها الممتليء بشعر حاجبيها، ثم أعود لموطني، أنتهي من حياكة الشال البنفسجي، أصنع كوبا من الشاي الأخضر برائحة الياسمين، أفتح كل الستائر، أخلع الروب الكستور، أبارك به مقبض الشرفة البحرية، أستعد للخروج، بالطبع لا أنسي أن أتسلح أولا، ثم أجول العالم ومعي ذئبي الأبيض، أخايل عيون المارة، أشباه الأمراء، وجواري المستعمرة المترجلون، أبحث في أرجاء البلدة عن فارس الأندلس صاحب العينان المضيئتان، أذكر جيدا حين قابلته في أمسية للرومي، وكنت أنهم معه
الشعر في نشوة تلاقي روحانا.

كنت فرحة كالطفلة في ليلة عيد، تبشر بالهدايا والحلوي والألوان. وما أن توسط البدر ليلتنا حتي ابتلعه الزحام، ولم يعد ثانية.
أترك الذئب يرتع في وديانه السحرية، وأخوض وحدي سهلا جديدا، أتكهن وجود حياه من بين خضرته الممتدة أمامي، أدخل علي استحياء لا يشبهني، أتجول حتي ينتهي، فيأتي الذئب يصاحبني لموطننا في الجانب الاخر من الجبل.

****
يبدو أن سخمت تريد أن تعكر علي صفو الأيام المباركة وأن تملأ المعبد بصرخاتها الطويلة، كعادتي أشفق عليها، ولكن ضاق حضني عن احتوائها هذا المساء، سأنتظر حتي تنطفيء نيرانها وتنزاح عني بزعابيبها، أمتنع عن "حاضر" فقط لأنها لم تعد شافية في صد موجات عنفها وجموحها.

أستسلم لموسيقي ناعمة تدغدغ مشاعر رحلتي المنتصرة احتفائا ب" تمت" بالخط المائل، ورواية تشبه أخواتها ممن سبقوها من بين أصابعي، أحتمي بروبي الأبيض الكستور، وأغفو بين الموجات، لأهدأ بضعة ساعات قليلة، أستيقظ بعدها فوق تصدير أحمق، يخبيء من ورائه ثورة صباحية جديدة!