لازالت تجول في أنحاء الشارع القديم، ترتعش من قسوة الهواء البارد في تحديه لطبقات جلدها الرقيقة وما ورائها .. ترتجف أضلاعها وتتخبط في بطانة البالطو الأسود الثقيل والعاجز عن حمايتها من هذه اللحظة القاسية والرائعة في تبشيرها بعتبات شتاء جديد، ترتمي في أحضان الرياح الاتية بعنف ورفق في ان، تتركها ترفع عنها أطراف البالطو، تتنفس، يتسارع قلبها فيرجها بدقاته الصامدة، تسعد بلحظة من الحياة، تمنح العالم بعض الدفء الكامن في دواخلها دون علم منها .. تعبر الشارع وتبتلعها البناية.
حسيتي بإيه لما علي باسك أول مرة؟
سؤال رغم تكراره من رهف طوال الأربع سنوات الماضية، إلا أنه لم يفقد طابع المفاجئة
تبتسم دنيا، وتجيبها، بقليل من الخجل المعهود لكلاهما ..
حسيتي بإيه لما علي باسك أول مرة؟
سؤال رغم تكراره من رهف طوال الأربع سنوات الماضية، إلا أنه لم يفقد طابع المفاجئة
تبتسم دنيا، وتجيبها، بقليل من الخجل المعهود لكلاهما ..
"أول بوسة .. تفتكري هحس بإيه يعني؟ عموما لما سحس يبوسك يا ستي هتبقي تعرفي بنفسك.."
يرتسم الحزن المطعم بالأسي بملامح رهف، تنظر إلي دنيا نظرة يرق لها قلبها الكبير، فتحتضنها مربتة علي ظهرها ..
"أنا خايفة يا دنيا"
"من إيه بس؟"
تسكت رهف، تتأمل عيني دنيا في صمت كشتاء، يأتي غاضبا .. فتنقلب سماؤه إلي الرمادي، ويبكي ..
"مالك يا رهف أنا قلقت عليكي؟ "
تختبيء رهف في قلب دنيا وتتنهد طويلا ..
"هية الدنيا مبتديناش كل حاجة صح؟"
"أكيد"
"بس علي الأقل لازم تدينا حبة الهوا اللي يخلينا نعرف نعيش .. "
تنظر دنيا إلي رهف نظرة الحيرة ذاتها، تمارس هوايتها بإتقان، تستمع بحرص وشغف رائق..
ترفع رهف رأسها، تري عينيها في عيني دنيا فتنتهز اللحظة لتعلن قرارها الأخير ..
"عارفة ليه إحنا أصحاب يا دنيا برغم إنك ساعات ممكن متفهمينيش؟"
.....
"عشان بعرف أتنفس وانا معاكي .."
تنتزع نفسها من بين ذراعي دنيا بعد أن قبلتها ثم ترحل، تطوي ميدان طلعت حرب الذي تعطر بنفحات السماء، تتحرر من البالطو الأسود الثقيل، وحدها تجرأت علي ذلك من بين عابري الشتاء .. تتنفس بعمق، يدفأ الهواء البارد في محيط صدرها، تحرره .. تبخر به العالم، ثم تخطو وحدها خطوات واثقة نحو شارع اخر.